حديث عن التراث والثقافة والعلاقات الجزائرية المجرية
في الطريق لإجراء حوار مع سعادة عادل طالبي سفير جمهورية الجزائر في المجر يحضر في اللاشعور كينونة الجزائر وما يحمل تاريخها في يقين الرأي العام العربي والعالمي كعنوان للصلابة والشكيمة والتشبث بقيم الحرية والإستقلال ووفائها للذين وقفوا معها في معركة التحرر مستذكراً تكريم الجزائر للدكتور يوسف زعين رئيس وزراء سوريا الذي عايش ثوار الجزائر فور تخرجه من كلية الطب وقبل أن يصبح رئيساً للوزراء في سوريا عام 1986 ورعاية شيخوخته خلال إقامته في المجر كما يتذكر المرء تكريم الجزائر للإعلامي المجري Chrudinák Alajos الذي كان صوتاً للثورة الجزائرية من الإذاعة العربية في المجر.
يحمل المتطلع للقاء سفير الجزائر كل هذه المعطيات لتشمل الأسئلة التاريخ والتراث والعلاقات الجزائرية المجرية في حضرة سفير تنسم موقعه بجدارة وإنفتاح على وسائل الإعلام وتقدير لدور الثقافة في تطوير العلاقات بين الشعوب.
كل تلك العناوين تجلت في اللقاء التالي مع سعادة السفير الجزائري:
هل تحدثنا عن مسار حياتكم العملية قبل الحضور سفيرا في المجر؟
يسعدني أن أشارككم نبذة عن مساري المهني، فقد تشرفت بالانتماء إلى السلك الدبلوماسي الجزائري منذ سنوات عديدة، حيث عملت سابقا كدبلوماسي بسفارة الجزائر بالمجر قبل أن أتقلد عدداً من المناصب و الوظائف السامية على مستوى وزارة الشؤون الخارجية و الجالية الوطنية بالخارج على غرار مناصب مدير الحصانات و الامتيازات الدبلوماسية ثم مكلفا بالدراسات و التلخيص لدى ديوان السيد وزير الشؤون الخارجية ، لأعين بعدها قنصلا عاما للجزائر بميلانو قبل أن أتشرف بتعييني من قبل السيد رئيس الجمهورية كسفير فوق العادة و مفوضا للجمهورية الجزائرية الديمقراطية الشعبية لدى المجر. وأنا سعيد بتمثيل بلدي في هذا البلد الرائع بهدف تقوية أواصر الصداقة المتجذرة في التاريخ بين الجزائر والمجر و الرقي بعلاقات و مجالات التعاون الثنائي في شتى المجالات.
كيف تصف العلاقات بين الجزائر والمجر الممتدة لتاريخ مديد؟
لم ولن تنس الجزائر دعم المجر، مثلها مثل العديد من الدول الصديقة، لحق الجزائر في تقرير مصيرها وكفاحها من أجل الاستقلال، من خلال إذاعة صوت الجزائر التي كانت تبث من بودابست. ولا يفوتني ان اشير الى الدور الكبير لأسطورة الإعلام المجري، الصحفي الفقيد كروديناك لايوش (Chrudinák alajos)، الذي كان من أشرس المدافعين عن الثورة الجزائرية من خلال عمله بالإذاعة المجرية نهاية الخمسينيات وبداية الستينيات.
كما لا أنسى ان أشير إلى المباريات الودية التي استضافتها المجر بين منتخب جبهة التحرير الوطني وفرق رياضية مجرية، كمساهمة للتعريف بالقضية الجزائرية .
ويذكر الجزائريون فضل المجر في مساهمتها بُعَــــــيد استقلال الجزائر، في تنمية القدرات البشرية الجزائرية عبر برامج المنح الجامعية ومختلف صيغ التكوين وكذا البعثات التقنية والخبراء الذين عملوا في مختلف المجالات في الجزائر خلال السبعينيات والثمانينيات.
وشهدت العلاقات الثنائية القائمة على الاحترام المتبادل تطوراً ملحوظاً في عدة مجالات، لا سيما التعليم والتكنولوجيا، الزراعة والمياه، والتبادل الثقافي، وتبادل للزيارات الرسمية كتلك التي قام بها كل من السيد رئيس البرلمان الجزائري للمجر في نوفمبر 2022 ، وزيارة السيد وزير الشؤون الخارجية في 8 و 9سبتمبر 2023، وزيارة السيد الامين العام لوزارة الشؤون الخارجية لبودابست في 28 يناير 2025 في اطار انعقاد المشاورات السياسية الثنائية، ناهيك عن الزيارات المتبادلة على مستوى الخبراء.
ونطمح اليوم إلى توسيع هذه العلاقات الى مجالات أخرى تعكس مؤهلات البلدين الصديقين وعلاقاتهما المتجذرة في التاريخ، وهو ما تجلى في عديد الاتفاقيات المزمع ابرامها في مجالات التكوين على الاستعمال السلمي للطاقة النووية، الصناعة الصيدلانية، التبادلات الثقافية الجامعية والسياحية والرياضية، فضلا عن عديد الاتفاقيات المبرمة في المجال الزراعي، ومعالجة المياه، والصيد، والتعليم العالي، والأرشيف.
ومن المجالات الاستراتيجية الأخرى: الصناعة الزراعية والأمن الغذائي. فخبرة المجر في الري والتكنولوجيات الزراعية الحديثة يمكن أن تفيد الجزائر، خاصة في مشاريعها الكبرى بالمناطق الجنوبية. ويمكن للخبرة المجرية في ميدان الصناعة التحويلية والسيارات الكهربائية أن تدعم تطوير هذه القطاعات في الجزائر.
وكونها بوابة السوق الإفريقية، تدعم الجزائر الشراكة الاقتصادية مع المجر خصوصا وأنها تتوفر على الثروات و المؤهلات تماما كما تتوفر المجر على الخبرة التكنولوجية والصناعية، التي تعزز هذه الشراكة.
وبوصفها اول منتج للغاز الطبيعي بافريقيا، يمكن للجزائر أن تلعب دورا هاما في استراتيجية المجر الهادفة لتنويع مصادر إمدادات الطاقة. كما أن إمكاناتها في مجال الهيدروجين الأخضر، الطاقات المتجددة والموارد الطبيعية مثل الفوسفات والحديد، تحظى باهتمام المجر.

كيف ترون دور الثقافة والإعلام في سياق تعزيز العلاقات بين المجر والجزائر؟
للثقافة والإعلام دور هام في تعزيز جسور التعاون التواصل بين الشعوب، وتقريب وجهات النظر والانفتاح على الآخر وهو ما يساهم في بناء علاقات ثنائية قوية في اطار ما يسمى بالدبلوماسية الثقافية والإعلامية.
ما أهم المناطق الأثرية والسياحية في الجزائر؟
تزخر الجزائر بكنوز أثرية وطبيعية جذابة جعلها ضمن قائمة أفضل الوجهات السياحية في تصنيفات المواقع السياحية العالمية، كان آخرها موقع “سكاي سكانر” (Skyscanner)، الذي اختار الجزائر العاصمة ثاني أفضل وجهة سياحية في العالم لسنة 2024.
إن تنوع التضاريس والمناخ والطبيعة الخلابة، وامتزاج الثقافة بالتاريخ الحضاري لكل منطقة وتنوع أطباقها ولباسها التقليدي، كلها مقومات سياحية جعلت من الجزائر وجهة لمحبي الثقافة والاستكشاف، خاصة مع التسهيلات الممنوحة للسياح الأجانب، بمن فيهم محبي السياحة الصحراوية.
ولا يمكن حصر الوجهات السياحية في الجزائر لكثرتها فكل منطقة منها تحكي تاريخا وتزخر بإرث ثقافي يميزها عن غيرها. واقتصر هنا على ذكر بعض من المواقع الأثرية كمدينتي تيمقاد وجميلة، وقصبة الجزائر المصنفة ضمن التراث العالمي لليونسكو اين يمكن مشاهدة الحرفيين في ورشهم، فضلا عن التجول في الأسواق التقليدية لشراء منتجات الحرف التقليدية والتوابل ومشاهدة قصر الداي ومسجد كتشاوة وغيرهما.
كما يمكنك زيارة منطقة القبائل بمناظرها الخلابة وشلالاتها وشواطئها، ومدينة وهران لتمتع نظرك بقلعة سانتا كروز ومعمار مسجد عبد الحميد بن باديس ، وحي سيدي الهواري العتيق بمبانيه التاريخية وأزقته الضيقة، دون ان ننسى شاطئ الأندلسيات برماله الذهبية ومياهه الزرقاء.
وبزيارتك لقسنطينة، من أقدم مدن الجزائر، ستتمكن من مشاهدة جسورها المعلقة وأنفاقها، إلى جانب المدينة القديمة، وقصر أحمد باي، ومسجد الأمير عبد القادر، فضلا عن متحف سيرتا الذي يحكي تاريخ المنطقة.
أضف إلى ذلك محمية الطونغا بولاية الطارف التي صنفت ضمن التراث العالمي لليونسكو والتي تزخر بمختلف الأشجار والنباتات والحيوانات النادرة. كما يمكنك زيارة قصر المشور بتلمسان كأحد المعالم العمرانية العتيقة المزينة بالرخام والزليج، ومسجد سيدي بومدين الذي يعود للقرن الثالث عشر، وهضبة لالة ستي باطلالتها الرائعة على المدينة.
وزيارتك لولاية غرداية تمكنك من مشاهدة قصورها التي تعود إلى القرن الحادي عشر والمصنفة ضمن التراث العالمي، كقصر بني يزقن وقصر مليكة، وسوق غرداية.
وتحظى الجزائر بساحل متوسطي يمتد لأكثر من 1,200 كيلومتر وبصحرائها الساحرة، خاصة تاسيلي ناجر التي تعد متحفاً طبيعياً مفتوحاً وأحد أكبر مناطق النقوش الصخرية في العالم. وتعد السياحة الصحراوية من أهم الوجهات التي يفضلها السياح الأجانب خصوصا صحراء تاغيت، ومناطق تيميمون و تقرت، وقصر إغزر في منطقة القوارة، وموقع سدراتة.
وتعد السياحة الحموية أحد أوجه التشابه اللافت بين الجزائر و المجر حيث يزخر كلا البلدين بثروات مائية حرارية غنية بالمعادن، ففي الجزائر تنتشر الحمامات المعدنية ذات الأصول القديمة و العريقة في مختلف المناطق. و هنا تبرز فرص و آفاق للتعاون بين البلدين الصديقين من أجل تبادل الخبرات و تعزيز الترويج لهذا النمط السياحي.
يمكنني القول أن الجزائر بتنوعها الطبيعي و الحضاري هي جوهرة المتوسط و المتحف المفتوح، وهي من أروع التجارب السياحية غير المستكشفة.
تعمل بلادي وفق رؤية شاملة و بخطى ثابتة على تطوير هذا القطاع الحيوي لاسيما من خلال تشجيع الاستثمار المحلي و الاجنبي في شتى المشاريع السياحية. واغتنم هذه السانحة لأتوجه بدعوة مفتوحة إلى جميع السياح لاسيما في المجر الصديق لاكتشاف الجزائر،البلد القارة، والذي لا يمنح زواره مناظر خلابة و مواقع أثرية فريدة فحسب، بل يقدم لهم دفء الضيافة والكرم و ثراء ثقافة ضاربة في التاريخ.
هل تحدثنا عن قسمات الحياة الثقافية في الجزائر بعد الاستقلال؟
مظاهر الحياة الثقافية في الجزائر ليست وليدة الاستقلال بل هي امتداد حي و مرآة صادقة لنضال شعب حر واجه الاستعمار بالمعرفة و القلم و الفن كما واجهه بالبندقية في محاولاته اليائسة لطمس هويته.
هذا الارث الثقافي تواصل بعد استرجاع الجزائر سيادتها الوطنية، من خلال نهضة ثقافية شاملة تهدف لإحياء التراث الوطني وتعزيز الهوية الثقافية الجزائرية. وقد تم إنشاء العديد من المؤسسات الثقافية للنهوض بالإنتاج الأدبي والفني والموسيقي، مع دعم خاص للغات الوطنية وعلى رأسها العربية والأمازيغية.
إن الثقافة الجزائرية الحديثة هي مزيج من ثقافةٍ وموروثٍ قديمٍ وحداثة الحضارات المعاصرة. فالجزائري يقدس الحرية التي دفع من اجلها ثمنا باهضا، ويتمسك بوحدته الترابية وسيادته واستقلاله. كما يفتخر بتاريخه العريق ونضاله عبر آلاف السنين، وبهويته القائمة على الاسلام والعروبة والأمازيغية وبعلمه وبجيشه الوطني.
كما يفخر بثقافته المتنوعة الممتدة على أرضه الطاهرة وتراثه المادي واللامادي الذي تسهر بلادي على تسجيله ضمن التراث العالمي على مستوى منظمة اليونسكو. فكل منطقة جزائرية تروي تاريخا وتحمل خصوصيات ثقافية من الجزائر العاصمة الى الطارف وعنابة، ووهران وتلمسان و منطقة القبائل، و الأوراس، ووادي ميزاب، و الهقار، والساورة، وطاسيلي ناجر وأدرار وتندوف وعين قزام، وغيرها من ربوع الجزائر القارة.
هذا وعرف الانتاج السينماتوغرافي والموسيقي والروائي تطورا هاما. ولعل من أهم الأفلام الجزائرية ذات الصيت العالمي فيلم ” معركة الجزائر” وفيلم ” وقائع سنين الجمر”، الذي أنتج في العام 1975. أمّا في مجال الموسيقى والغناء، فيعد ”الراي” المسجل في اليونسكو من أكثر الأنواع الغنائية الجزائرية شهرة في العالم.
وكانت الثورة الجزائرية واحدة من أهمّ الأسباب التي أدت إلى بروز العديد من الأدباء والشعراء، كمفدي زكريا شاعر الثورة وكاتب النشيد الوطني.
للاشارة، أول رواية في تاريخ الإنسانية هي من اصل جزائري وتعود لأبوليوس المداوروشي بعنوان “الحمار الذهبي”. وأول شهادة دكتوراه في الأدب في العصر الحديث كانت للأديب الجزائري محمد بن أبي شنب.
ماهي ابرز اهتمامات الدبلوماسية الجزائرية؟
منذ استرجاع سيادتها الوطنية، تبنّت الجزائر دبلوماسية قائمة على المبادئ، لا تنفصل عن تاريخها التحرري المجيد الذي جعل من نصرة الشعوب المستضعفة والذود عن القضايا العادلة محوراً ثابتاً في سياستها الخارجية. حيث اختارت بكل مسؤولية أن تكون طرفا نزيها وفاعلًا بنّاءً في محيطها الإقليمي والدولي، وساهمت في حل العديد من الأزمات من خلال وساطات ناجحة واعترافات دولية على حيادها ومصداقيتها.
ومن أبرز هذه التجارب، وساطتها في التوصل إلى اتفاق الجزائر عام 1975 بين العراق وإيران، ثم تسهيل الإفراج عن الرهائن الأمريكيين بطهران في 1981، إضافة إلى دورها المحوري في اتفاق السلم والمصالحة في مالي سنة 2015، فالجزائر، عبر تاريخها السياسي والدبلوماسي العريق، برهنت على قدرة عالية في التوفيق بين المبادئ والممارسة، وهو ما تُوّج بإعادة انتخابها للمرة الرابعة كعضو غير دائم في مجلس الأمن الدولي للفترة 2024–2025، في اعتراف دولي صريح بدورها البنّاء، يليق بمكانتها كأكبر دولة في إفريقيا وبوابة استراتيجية بين القارة والعالم، ومصداقيتها في معالجة القضايا المعقدة ضمن رؤية متوازنة ومسؤولة، ترتكز على احترام سيادة الدول، وعدم التدخل في شؤونها الداخلية، واعتماد الحوار سبيلاً وحيداً لتسوية النزاعات، مع احترام مبادئ ميثاق الأمم المتحدة.
كما، تظل الجزائر وفية لالتزاماتها التاريخية والأخلاقية في نصرة القضايا العادلة، حيث تقف بصلابة إلى جانب الشعب الفلسطيني مناصرة لقضيته العادلة، ومدافعة عن حقوقه الوطنية في وجه عدوان وحصار غير إنساني، بلغ حدّ جرائم الإبادة والجرائم ضد الإنسانية في قطاع غزة.
ومن على منبر مجلس الأمن، تواصل الجزائر كشف الانتهاكات الجسيمة التي ترتكبها قوة الاحتلال الإسرائيلي، وتدعو، بصوت قوي ومتزن، إلى وقف فوري للعدوان، وتحقيق حل عادل وشامل، يُفضي إلى إقامة دولة فلسطينية ذات سيادة، وعاصمتها القدس الشريف.
وفي السياق نفسه، تؤكد الجزائر باستمرار التزامها بالدفاع عن حق الشعوب في تقرير مصيرها، كما هو الحال في القضية الصحراوية، التي تضعها الجزائر في إطارها الصحيح كمسألة تصفية استعمار غير مكتملة. وتُعرب، في كل المحافل، عن رفضها لأي مسارات لا تنبع من إرادة الشعب الصحراوي و حقه المشروع و الثابت و غير القابل للتصرف في تقرير مصيره و نيل استقلاله.
كما تعزز الجزائر حضورها في إفريقيا، ليس فقط كفاعل سياسي وأمني، و دورها المحوري في منطقة الساحل والتزامها الدائم باحترام سيادة الدول وخصوصياتها الوطنية، ورفض كل أشكال التدخل الأجنبي و تفضيل الحلول الإفريقية للمشاكل الافريقية، بل أيضاً كشريك اقتصادي وتنموي. فمن خلال دبلوماسيتها الاقتصادية، أطلقت الجزائر مشاريع ملموسة تشمل بناء القدرات البشرية، وتقديم منح دراسية، وتطوير البنى التحتية، وتعزيز المبادلات التجارية. كما تظل وفية لنهج التضامن مع الدول الإفريقية، وتحرص على تقديم المساعدات الإنسانية والفنية في أوقات الأزمات، بما يُسهم في تقوية مناعة القارة ويُعزز استقلالها السياسي والاقتصادي. وتسعى الجزائر إلى تحقيق الاندماج الإفريقي، والمساهمة في تحقيق أجندة 2063 للاتحاد الإفريقي، عبر رؤية تقوم على تمكين الشعوب لا استغلالها.
وتُجسّد المشاريع الكبرى التي تقودها الجزائر في إفريقيا وعلى رأسها أنبوب الغاز العابر للصحراء الرابط بين نيجيريا والجزائر، والطريق العابر للصحراء، ومشروع الألياف البصرية رؤية استراتيجية متكاملة تُسهم في التكامل القاري وتُوطّد أسس التعاون جنوب–جنوب.
وأشير بهذه المناسبة الى معرض التجارة الافريقية البينية المزمع انعقاده بالجزائر من 4 إلى 10 سبتمبر 2025 الذي يعد موعدا اقتصاديا بارزا تجدد فيه القارة الافريقية التزامها بالدفع نحو الاندماج والتكامل الاقتصادي. إن استضافة الجزائر لهذا الحدث الهام تأكيد للدور الريادي الذي ما فتئت تلعبه في تعزيز و تقوية أواصر التعاون و التضامن و فتح أفاق لشراكات اقتصادية تكرس مكانتها كقاطرة لتنمية اقتصادية و مستدامة واعدة.
ومن موقعها الجغرافي الاستراتيجي كملتقى للقارتين الإفريقية والأوروبية، تتبنى الجزائر مقاربة متكاملة في مواجهة التحديات العابرة للحدود لا سيما الإرهاب، والجريمة المنظمة، والهجرة غير الشرعية. وترتكز هذه المقاربة على المزج بين الأمن والتنمية، والتعاون الإقليمي، واحترام حقوق الإنسان.
و في ظل التحولات الطاقوية والاضطرابات الجيوسياسية العالمية ، أثبتت الجزائر أنها مصدر و شريك موثوق لأوروبا، من خلال ضمان التموين بالغاز الطبيعي، ومن خلال رؤيتها الاستشرافية الرامية إلى تنويع مصادر الطاقة، عبر مشاريع واعدة في مجال الطاقات المتجددة، وعلى رأسها مشروع الهيدروجين الأخضر، وأنبوب الغاز العابر للصحراء بالتعاون مع نيجيريا،وهو ما يجعل من الجزائر فاعلًا أساسيًا في دعم الانتقال الطاقوي العالمي بشكل عادل ومتوازن.
إن الجزائر، بهذا الزخم التاريخي، وبهذه المقاربة المتعددة الأبعاد، تواصل العمل تحت القيادة المتبصرة لرئيس الجمهورية السيد عبد المجيد تبون، من أجل ترسيخ مكانتها كركيزة للاستقرار في الضفتين الإفريقية والمتوسطية ، وشريك استراتيجي في المنطقة، وفاعل محوري في صياغة نظام عالمي أكثر توازناً وإنصافاً.
ما دور الجزائر في حل النزاعات الإفريقية باعتبارها عضوا مؤسسا في الاتحاد الإفريقي؟
ساهمت الجزائر التي تعد عضوا مؤسسا في الاتحاد الإفريقي في تعزيز السلم والحوار في افريقيا و دعم مسارات السلام والتنمية في القارة، وكذا تقوية التعاون الدولي في مكافحة الإرهاب والتهديدات العابرة للحدود.
وساهمت الجزائر، من منطلق موقعها وتاريخها ودور دبلوماسيتها، في الانخراط في البحث عن حل العديد من النزاعات في إفريقيا عبر الدفع بها الى الاحتكام الدولي او بوساطة الحوار، حيث توصلت الى وضع حد لأصعب نزاع عرفه القرن الافريقي بين اريتريا وإثيوبيا، وأزمة الكونغو، وأزمة النيجر وأزمة مالي التي لعبت الجزائر فيها دور الوسيط الرئيسي في محادثات السلام تحت اشراف الامم المتحدة والتي أدت إلى توقيع اتفاق سلام اتفاق الجزائر في 2015.
وشاركت الجزائر بفاعلية في تنفيذ المشروع الرائد لأجندة 2063 حول ” إسكات البنادق في إفريقيا ” من أجل تحقيق “قارة خالية من النزاعات” والتخلص من بقايا الاستعمار، كما تعمل على التفعيل الكامل لجميع عناصر الهيكل الإفريقي للسلام والأمن في إفريقيا (APSA).
وتستضيف الجزائر مقر مركز الاتحاد الإفريقي لمكافحة الإرهاب (CAERT) وآلية الإتحاد الإفريقي للتعاون الشرطي (أفريبول)، وهي الهيئات المتخصصة في مكافحة الإرهاب و تحفيز التعاون والتنسيق بين الدول الأعضاء للبحث عن حلول افريقية للأزمات السائدة في القارة.
ونظرا لتجاربها وخبرتها في مكافحة الارهاب، كلف الاتحاد الإفريقي الجزائر بمهمة منسق الوقاية من الإرهاب ومكافحته في إفريقيا.
كما فازت الجزائر بمنصب نائب رئيس المفوضية الإفريقية وبعضوية مجلس السلم والأمن التابع للاتحاد الإفريقي (2025 – 2028) وهو ما يعكس التقدير الذي تحظى به الدبلوماسية الجزائرية من قبل الشركاء الأفارقة، باعتبارها قوة سلام تشتغل باستقلالية وشفافية ووفاء لمبادئها التاريخية في الدفاع عن القضايا العادلة، وتكريس السلم والاستقرار في ربوع القارة.
إن التكامل القاري والتنمية هو أحد الأولويات الإفريقية للجزائر، وفي هذا الاطار تندرج المبادرات الجزائرية الرامية لتنفيذ مشاريع هيكلية قارية كالطريق العابر للصحراء على محور الجزائر – نيجيريا مرورا بالنيجر، خط أنابيب الغاز وخط الألياف البصرية العابر للصحراء.
وتمثل الجزائر واحدة من بين الخمس دول التي بادرت بالشراكة الجديدة من أجل تنمية إفريقيا (نيباد)، القائمة على فكرة تحرير القارة من الصراعات والتخلف والتي حولت اليوم إلى وكالة تنمية تابعة للاتحاد الافريقي. كما شاركت الجزائر بنشاط في المفاوضات التي أدت إلى الاتفاق على منطقة التجارة الحرة للقارة الافريقية، وفي صياغة المواقف الافريقية المشتركة بشأن القضايا الدولية الرئيسية مثل تغير المناخ، الحد من انتشار الأسلحة النووية، نزع السلاح وإصلاح الأمم المتحدة (توافق ايزولويني).
ما الكلمة التي تودون توجيهها للجالية العربية ومنها الجزائرية في المجر؟
تلعب الجالية العربية عموما، والجالية الجزائرية على وجه الخصوص، دورًا محوريًا في تمثيل القيم النبيلة و العريقة لثقافتنا وعمق حضارتنا، وقيمنا الإنسانية الراسخة لدى المجتمع المجري.
ويتميز أبناء الجالية الجزائرية بالكفاءة، والانضباط، والاعتزاز بهويتهم، وأسهم كثير منهم في مجالات التعليم، والبحث العلمي، واظهار صورة مشرّفة لوطنهم الأم.
نحن نحرص على دعم هذه الطاقات والكفاءات، وعلى تعزيز حضورها في مختلف الفضاءات. وكل فرد من الجالية هو في نظرنا سفير لقيم التسامح والانتماء، وركيزة أساسية لتقوية أواصر الصداقة بين الشعبين الجزائري والمجري، وبين المجتمعات العربية والمجرية عامة. فالدبلوماسية المجتمعية التي تمارسها الجاليات و جمعياتها و ممثليها من مختلف مواقعها، لا تقل أهمية عن العمل الدبلوماسي الرسمي، وهي تحمل في طياتها رسائل السلام، والانفتاح، وقيم التعايش المشترك والإسهام الفعّال و البناء في المجتمع المضيف، والانخراط في الحياة العامة بإيجابية واحترام متبادل.
ولا يفوتني أيضًا أن أؤكد التزامي بالعمل مع مختلف السلطات المجرية من أجل تعزيز التعاون في المجالات الثقافية، والاقتصادية، والتعليمية، بما ينعكس إيجابًا على واقع إقامة جاليتنا و اندماجها و حماية مصالحها.
ومن هذا المنبر أجدد تحياتي لجميع الجالية العربية و الجزائرية على الخصوص معربا لهم عن التزامي التام و كل طاقم السفارة لخدمتهم بكل مسؤولية و تفان، والاستماع إلى انشغالاتهم والاستجابة لتطلعاتهم.
اجرى الحوار الدكتور عبد المنعم قدورة
رئيس التحرير