في التاسع من يونيو 2025 أعلن الأمير سعود بن مشعل بن عبد العزيز نائب أمير منطقة مكة المكرمة نجاح الحج لهذا العام بشكل مميز أمنياً وصحياً وخدمياً.
والمعروف أن موسم الحج أداء ديني في توقيت مقدّس؛ قد أصبح – في ظل الإدارة السعودية الراهنة مختبرًا حضاريًا مفتوحًا، تقدم فيه الدولة رؤاها، وتُجسّد فيه فلسفتها، وتبرهن فيه للعالم أن الدين لا يُناقض التقدم، وإنما يدعمه إذا أحسنت السياسة فهمه، وأخلصت في خدمته.
وعلى الرغم من الاستعدادات المكثفة التي تقوم بها المملكة العربية السعودية لموسم الحج كل عام، إلا أن موسم حج 2025 يبدو مختلفًا في كثير من الأمور.
حيث سعت السعودية هذا العام إلى تقديم تجربة حج استثنائية، تجمع بين التنظيم الدقيق والاستخدام الأمثل للتقنيات الحديثة، بهدف تيسير أداء الفريضة على ملايين الحجاج القادمين من مختلف بقاع الأرض، وضمان سلامتهم وراحتهم.
وكشفت استعدادات العام الحالي عن حرص المملكة على استثمار التكنولوجيا والكوادر البشرية لضمان أداء مناسك الحج بسلاسة وأمان، مع توجيه رسائل واضحة بالحزم في تطبيق الأنظمة لمنع الازدحام والمخالفات التي تهدد سلامة الحجاج.
وأكدت الجهات المعنية، أن موسم هذا العام يشهد تحولًا نوعيًا في آليات التنظيم، بإدخال الذكاء الاصطناعي والمسيّرات لأول مرة ضمن منظومة الإنقاذ والاستجابة السريعة وإصدار تشريعات جديدة لإدارة الحشود.
في الوقت الذي تنشغل فيه عدسات الإعلام بنقل الشعائر والمشاهد الروحانية، يبقى الجزء الأكبر من القصة مختبئا خلف الكواليس، حيث يوجد آلاف الموظفين والمتطوعين والمهندسين والجنود والأطباء، وكل من يكرّس جهده لخدمة الحجاج، في مهمة تتكرر كل عام لكن لا تتشابه تفاصيلها أبدًا.
وقد عمل أكثر من 30 ألف متطوع ومتطوعة في موسم الحج، موزعين على قطاعات متنوعة تشمل الترجمة والإرشاد والخدمات الطبية والإعاشة والدعم النفسي.
ويعد موسم الحج مشروعًا سنويًا ضخمًا يبدأ الإعداد له بمجرد انتهاء الموسم السابق، ويشارك في التخطيط والتنفيذ أكثر من 40 جهة حكومية وخاصة، و250 ألف موظف، حيث يجري تقييم شامل لكل ما حدث في الموسم السابق، بما في ذلك التحديات والحوادث الطارئة، ليتم البناء عليها في تحسين وتطوير الموسم الجديد.
وتبدأ فرق العمل بوزارة الحج والعمرة في عقد اجتماعات دورية منذ شهر محرم من كل عام، وتستمر بوتيرة تصاعدية حتى شهر ذي الحجة، وتشمل مراحل التخطيط تصميم جداول التفويج، ومسارات الحافلات، وتأمين الإعاشة، وتوزيع الخدمات الصحية، وربط البيانات المركزية بين الجهات المشاركة.
ويعد مركز القيادة والسيطرة لأمن الحج، الواقع في مشعر منى، قلب إدارة الحج، فمن هذا المركز تدار حركة الحشود، ويتم مراقبة كافة المواقع الحيوية في الحرم والمشاعر لحظة بلحظة.
وتتكامل خدمات المركز -الذي يعتمد بشكل أساس على ما يتوافر به من كاميرات عالية الجودة على امتداد المشاعر وفي المنطقة المركزية- مع ما تقدمه القيادات المركزية في الميدان لنقل الصورة مباشرة ومتابعة الحالات وتوجيه العاملين الميدانيين لهذه الحالات.
ويدار المركز في أغلب مراحل عمله عبر الوسائل التقنية الحديثة من خلال غرفة المراقبة التلفزيونية بالمركز، إضافة إلى متابعة الأحداث على مساحة أعمال الحج كاملة.
يعد نقل أكثر من مليوني إنسان في وقت واحد من مكة إلى منى، ثم إلى عرفات، فالمزدلفة، ثم العودة إلى منى، عملية لوجستية هائلة أشبه بإدارة حركة دول بأكملها في أيام معدودة، وتعمل منظومة النقل وفق نظام التفويج الزمني المحدد مسبقا.
وتسهم قطارات المشاعر التي تنقل آلاف الحجاج بين المواقع المقدسة، في تخفيف الضغط على الطرقات، خصوصًا في أوقات الذروة.
وتسخر منظومة نقل الحجاج أكثر من 45 ألف موظف وموظفة لتنفيذ خططها خلال موسم الحج، مع تجهيز أكثر من 7 آلاف رحلة طيران مجدولة من 238 وجهة حول العالم عبر 62 ناقلًا جويًا، باستخدام 12 صالة سفر في 6 مطارات، ووفرت أكثر من مليوني مقعد عبر قطار الحرمين بزيادة تقدر بنحو 400 ألف مقعد عن العام الماضي.
كما تم توفير أكثر من 10,000 نقطة “واي فاي” مجانية ليتصل الحاج بالعالم. ودليل على أنَّ الدولة ترى في الاتصال وسيلة لتعزيز الطمأنينة الأسرية، ولتمكين التطبيقات الصحية، والإرشادية، واللغوية… كذلك، فإن اعتماد الدرون لنقل الأدوية بسرعة فوق الزحام جاء تجسيدًا دقيقًا لمرحلة جديدة تُدار فيها الطوارئ من الجو، وتحطّ فيها الرعاية حيث يحتاجها الإنسان.
ولا يسع أي مراقب لهذه الخدمات المتكئة على التقنيات الحديثه سوى تهنئة المملكة العربية السعودية على نجاحها في إدارة الحج لهذا العام 2025.