أثار قرار المنظمة العربية للتربية والثقافة والعلوم التابعة للجامعة العربية إختيار مدينة طرابلس عاصمة للثقافة العربية لعام 2024 لدى المهتمين بالشأن الثقافي العربي لواعج وشجون عدة تتعلق بالظروف التي تحيط بلبنان والعالم العربي وأثرها على الفعاليات الثقافية والفنية.
بيد أن ثمة إجماعاً على حيوية هذا الإختيار لمدينة طرابلس. وعلى الصعيد الشخصي أثار الإختيار في مكنوناتي ذكرى أيام انصرمت منذ نصف قرن وقد كنت طالباً جامعياً حين وفقت بقراءة كتاب الشيخ نديم الجسر مفتي طرابلس (قصة الإيمان بين الفلسفة والعلم والقرآن) بحيث غدا هذا الكتاب مرجع إلهام وشغف كلما نشدت اليقين و شعرت أن طرابلس مفعمة بالتاريخ والرجال الذين يتركون أثراً بالحياة و أنها حقاً مدينة العلم والعلماء، ذلك أن الكتاب هام لمن يرنو الى الحقيقة والغوص في حوار بين الفلسفة والعقيدة وكما كتب المؤلف (الفلسفة بحر على خلاف البحور يجد راكبه الخطر والزيغ في سواحله وشطئآنه والأمان و الإيمان في لججه وأعماقه).
أقول إن هذا الكتاب دفعني لقراءة تاريخ مدينة طرابلس ليقع المرء على مدينة ساحرة تضمّ أكثر من 200 موقع أثري، تعكس حضارات كثيرة مرّت على المدينة من مملوكية وصليبية وعثمانية وفرنسية وغيرها. وألهمت العصور الغابرة والحديثة بتنوّعها الثقافي والإنساني والديني، واشتهرت بقلاعها وأبراجها ومينائها وتحفها الهندسية المعمارية ومعالمها التاريخية.
وهي العناوين البارزة التي سوف يتم التوقف عندها بحثاً ودراسة في احتفالية ستقام في مدينة طرابلس برعاية وزارة الثقافة اللبنانية حيث أعلن سعادة محمد وسام المرتضى وزير الثقافة في لبنان شعار الاحتفالية الموشح بعبارة (طرابلس حكاية الإنسان والزمان).
ومن المفيد في هذا المقام إيراد ماكتبه الشاعر نزار قباني عن مدينة طرابلس عندما زارها في عام 1961:
“حين سُئلت أن أعطي أمسية شعرية في مدينتكم الحلوة لم أستطع أن أقاوم الدعوة المغرية، طرابلس في هذه الأيام هي قارورة طيب، ومن ذا الذي يرفض السكنى في قارورة طيب. المشوار من بيروت إلى طرابلس إسراء على شريط من صحو وفيروز ولؤلؤ مكسر. إسراء على سجادة من عبير، سجادة مصنوعة من زهرات النارنج والليمون. عند مشارف مدينتكم استقبلتني رائحة زهرات النارنج والليمون. ملأت صدري، وملأت ثيابي، حتى خُيّل لي أن حدود مدينتكم مصنوعة من رائحة الجنة. هل تريدون لمدينتكم حدوداً أحلى من هذه الحدود التي لا تُرى ولا تُلمس؟”. أنا حزين لأنني لا أستطيع أن أضيف فلذة جمال واحدة على هذا المرفأ الذي يغزل الجمال كما تغزل العيون الإسبانية اللؤلؤ الأسود. حسب قصائدي إذن أن تكون نغمة صغيرة متواضعة في سمفونية النارنج والليمون التي تعزفها كل شجرة في مدينتكم الحلوة”.
طرابلس مدينة التاريخ يليق بها الاحتفاء والاهتمام بحاضرها ومستقبلها لتظل راية هادية للمستقبل العربي.
د. عبدالمنعم قدورة