العلاقات الجزائرية المجرية تاريخية
الدبلوماسية والإعلام متلازمان لتوضيح الحقائق
اللقاء مع سعادة عبدالحفيظ علاهم سفير الجزائر في المجر وجمهورية سلوفينيا يشكل فرصة للحوار مع قامة تاريخية وفكرية تعبر عن مكنونات الجزائر وما تحفل به من تاريخ نضالي وثقافة وفن وبذل وعطاء في سبيل قضايا العرب والمسلمين ورواد العدالة الإنسانية.
اللقاء شمل العلاقات بين الجزائر والمجر والموقف الجزائري المعهود والمميز من قضية الشعب الفلسطيني العادلة والتكامل بين الدبلوماسية والإعلام في توضيح أبعاد السياسة الخارجية للدول. وهنا نص الحوار:
ماهي أبرز القسمات الاجتماعية والثقافية السائدة في الجزائر الان؟
“الشعب الجزائري شعب حر ومصمم على البقاء حرا” ، هذه أول جملة في الدستور الجزائري كثيرا ما يرددها رئيس الجمهورية السيد عبد المجيد تبون، فالجزائري يقدس الحرية التي دفع من أجلها ثمنا غالياً، ويتمسك بوحدته الترابية وسيادته واستقلاله.
كما يفتخر الشعب الجزائري بتاريخه العريق ونضاله عبر آلاف السنين، وهو ما توجته ثورته التحريرية المباركة التي جعلت الجزائر منبتا للحرية وأرض العزة والكرامة.
ويضاف الى ذلك تشبثه بهويته القائمة على الإسلام والعروبة والأمازيغية وبقيمه الروحية والحضارية، سيما المساواة والعدالة والأخوة والحوار والضيافة، رغم المحاولات العديدة لطمس الهوية الجزائرية وتقطيع الروابط الثقافية الجامعة بين أفراد المجتمع الجزائري.
ويعتز الجزائري بعلمه الوطني كأحد رموز الثورة المجيدة وبجيشه الوطني الشعبي سليل جيش التحرير الوطني وحامي الحمى من كل تهديد.
كما يفخر بثقافته المتنوعة الممتدة على أرضه الطاهرة وتراثه المادي واللامادي الذي تسهر بلادي على تسجيله ضمن التراث العالمي على مستوى منظمة اليونسكو. فكل منطقة جزائرية تروي تاريخا وتحمل خصوصيات ثقافية من الجزائر العاصمة الى الطارف وعنابة، ووهران وتلمسان و منطقة القبائل، و الأوراس، ووادي ميزاب، و الهقار، والساورة، وطاسيلي ناجر وأدرار وتندوف وعين قزام، وغيرها من ربوع الجزائر القارة.
ويضاف إلى ذلك شغف الجزائري بممارسة ومتابعة الرياضة وتشجيع فرقه الوطنية، بما في ذلك الفريق الوطني لكرة القدم.
وقد أنجبت الشخصية الجزائرية الكثير من رواد الإصلاح والأدباء والشعراء الذين حازوا على جوائز عالمية وكذا العديد من رجال الفن والعمارة.
الموقف الجزائري من الحرب في غزة كان مميزا، ما الذي تتوقعونه من مجلس الأمن الدولي؟
نعم، موقف الجزائر من الحرب في غزة موقف مميز، يضاف الى المواقف الجزائرية السابقة التي سجلها التاريخ بأحرف من ذهب ابتداء من الاعتراف بدولة فلسطين وإعلان قيامها من الجزائر في 15 نوفمبر 1988 وغيرها من أنواع الدعم القوي للشعب الفلسطيني.
هذا الموقف ينم عن إدراك عميق بخطورة الاحتلال وتفهم تام لمعاناة الشعب الفلسطيني، كيف لا، ولا يكاد يخلو أي بيت جزائري من مناضل حر ومجاهد وشهيد.
ولذا ثمنت الجزائر الدعوى التي رفعتها جنوب افريقيا امام محكمة العدل الدولية حول جريمة الابادة الجماعية التي يرتكبها الاحتلال الصهيوني بحق أهلنا في غزة، واستثمرت، بأمر من رئيس الجمهورية، في القرار الصادر عن هذه المحكمة بتاريخ 26 جانفي 2024، بالدعوة لعقد اجتماع طارئ لمجلس الأمن الدولي، لتكريس إلزامية هذا القرار الذي فرض تدابير مؤقتة على الاحتلال الصهيوني لمنع إبادة جماعية بحق الفلسطينيين وتحسين الوضع الإنساني في غزة.
هذا، وكان رئيس الجمهورية السيد عبد المجيد تبون أول رئيس دولة يدعو للجوء بقوة الى الهيئات القضائية الدولية بما فيها محكمة الجنايات الدولية، نظرا لتعدد الجرائم التي ترتكبها قوات الاحتلال الصهيوني في غزة والتي اعتادت على الإفلات من العقاب.
كما نجحت الجزائر بوصفها عضوا غير دائم بمجلس الامن الدولي للفترة 2024-2025، في اقناع اعضاءه بالإجماع برفض التهجير القسري للفلسطينيين من أراضيهم في قطاع غزة، كونه مخالفا لأحكام القانون الدولي، وهي تكثف جهودها حاليا حتى تحصل فلسطين على العضوية الكاملة في منظمة الأمم المتحدة.
كما تدين بأشد العبارات كل محاولات الاحتلال الصهيوني لتصفية القضية الفلسطينية وتصوير الفلسطينيين على أنهم إرهابيون، في الوقت الذي يكفل فيه القانون الدولي حق الشعوب المحتَلة في مناهضة الاحتلال.
وما يزيد الطين بلة محاولات التعتيم حول المجازر المرتكبة ضد الفلسطينيين وحقوقهم المسلوبة، في سابقة خطيرة لسياسة الكيل بمكيالين، وفي ظل تعنت المحتل الصهيوني على الدوس على المواثيق والأعراف الدولية بل وعلى جميع القيم الاخلاقية والإنسانية، امام مرأى ومسمع العالم.
وتسعى بلادي جاهدة لتوحيد الجهود للضغط على الاحتلال الصهيوني لوقف العدوان على قطاع غزة وإقامة الدولة الفلسطينية. وفي هذا الإطار تندرج المقترحات التي تقدمت بها الجزائر خلال القمة العربية الاسلامية المنعقدة بالرياض بتاريخ 11 نوفمبر 2023 .
إن الموقف الرسمي الجزائري تجاه القضية الفلسطينية متسق تماما مع موقف الشعب الجزائري الذي خرج في جل الولايات في مسيرات داعمة للشعب الفلسطيني.
ولا يفوتني ان اشير الى بعض من الوقفات الجزائرية التضامنية مع أهلنا في قطاع غزة، من قبيل إلغاء كافة الاحتفالات الرسمية بالذكرى 69 للثورة التحريرية، وارسال 104 طنًا من المساعدات الإنسانية العاجلة إلى القطاع، بأمر من رئيس الجمهورية، عقب استهداف الاحتلال الصهيوني لمستشفى المعمداني.
كيف تصف العلاقات الجزائرية المجرية؟
تربط الجزائر والمجر علاقات صداقة واحترام متبادل تعود إلى فترة حرب التحرير الجزائرية. وقد أبدت بودابست تضامنها خلال هذه الحقبة من خلال ما قدمته من مساعدات إنسانية للجزائر، ومن خلال مواكبة صحفها وبرنامجها الإذاعي “صوت الجزائر”، الذي بث بيان أول نوفمبر 1954 وتابع كل تطورات الثورة الجزائرية المباركة.
كما ساهمت المجر، مشكورة، في تكوين المهارات الجزائرية عبر إرسال معلميها وأطباءها ومهندسيها بعد استقلال البلاد.
وقد نمت العلاقات الدبلوماسية المقامة سنة 1962 بين المجر والجزائر المستقلة، لتشمل مجالات مختلفة سيما اقتصادية.
ماهي أبرز اوجه التعاون بين البلدين سياسيا واقتصاديا؟
شهدت العلاقات الجزائرية المجرية حركية في مختلف المجالات، ولا تزال هناك عديد الفرص التي يمكن للبلدين استغلالها لترقية علاقاتهما لمستوى تطلعاتهما. ويتقاسم البلدان وجهات نظر متقاربة حول عدد من التحديات المشتركة وبعض المسائل كتلك المتعلقة بحماية الاسرة والطفولة.
و في هذا الاطار، تم ابرام العديد من اتفاقيات التعاون في المجال التجاري وإقامة مجلس أعمال مشترك بهدف رفع المبادلات التجارية، والمجال الفلاحي، ومجال إدارة المياه، وتطوير الاتصالات والتقنيات الرقمية، والتكوين والتعليم المهني، والأرشيف، والتكوين الدبلوماسي، والسياحة ومجال التعليم العالي والبحث العلمي، بما في ذلك التعاون في إطار برنامج المنح المجري “Stipendium Hungaricum” الذي يقدم مايقارب 100 منحة دراسية سنويا للطلاب الجزائريين على مستوى مابعد التدرج.
ويعكف الطرفان الجزائري والمجري حاليا على توسيع التعاون الى مجالات اخرى كالمجال الثقافي، والتكوين في استخدام الطاقات النظيفة لإنتاج الكهرباء، ومجال الكفاءة الطاقوية للبناءات والاستثمار وتنمية المؤسسات الصغيرة والمتوسطة خصوصا وأن قانون الاستثمار الجزائري الجديد يمنح امتيازات عديدة في هذا الإطار.
ولا يفوتني أن أنوه إلى حدثين هامين سجلتهما العلاقات الجزائرية المجرية خلال سنة 2023 وهما انعقاد الدورة الثالثة للجنة الاقتصادية المشتركة الجزائرية المجرية في بودابست يومي 9 و10 فبراير 2023 والتي سمحت بتحديد مجالات جديدة للتعاون، وزيارة السيد أحمد عطاف، وزير الخارجية والجالية الوطنية بالخارج إلى المجر يومي 8 و9 سبتمبر 2023. هذه الزيارة الاولى من نوعها منذ عدة سنوات، أضفت نفسا جديدا على العلاقات الثنائية وسمحت بالتطرق لعدد من القضايا السياسية والاقتصادية ذات الاهتمام المشترك.
هذا، وتولي الجزائر اهتماما بالارتقاء بعلاقتها مع المجر إلى مستوى الإرث التاريخي الذي يربط البلدين، وفي هذا الإطار تندرج الزيارة المرتقبه لرئيسة المجر السيدة كاتالين نوفاك إلى الجزائر.
كيف ترى دور الإعلام في الحقل الدبلوماسي؟
يعتبر الإعلام سلاحا ذو حدين فقد يسهم في ترقية سياسة الدولة وتحسين صورتها والتأثير على الرأي العام الداخلي والخارجي، كما قد يستخدم للإساءة لها.
وساهم تطور وسائل الاعلام والتواصل في ظهور الدبلوماسية الاعلامية التي تستخدم هذه الوسائل للتأثير في مواقف الشعوب والدول بما يتفق مع مصالح الدولة وأهداف سياستها الخارجية سواء على المستوى الأمني، الاقتصادي، السياسي والثقافي.
وكون وسائل الإعلام لا تعرف حدودا جغرافية، جعل منها وسيلة مهمة من وسائل السياسة الخارجية والاحتكاك بين الدول والشعوب، وكذا مصدرا للمعلومات يساهم في تشكيل رأي عام حول القضايا المطروحة وفي كشف الادعاءات والأخبار المغلوطة.
واضحى الإعلام والدبلوماسية متلازمين اكثر من قبل مع ظهور الوسائط الرقمية التفاعلية متعددة اللغات وشبكات التواصل الاجتماعي التي صارت تستخدم في التعريف بأولويات وتوجهات السياسة الخارجية في إطار ما يسمى بدبلوماسية التأثير.
ولذا نجد العديد من الدول تضع استراتيجية اعلامية ضمن سياستها الخارجية. كما صارت شبكات الإعلام والقنوات الفضائية ومنصات التواصل الافتراضية، محط اهتمام الدول وساحة لصراع الهيمنة نظرا لتأثيراتها العميقة، وهنا استذكر المقولة الشهيرة لمالكوم اكس: ” وسائل الإعلام هي الكيان الاقوى على وجه الارض، لديها القدرة على جعل المذنب بريئا وجعل الأبرياء مذنبين وهي السلطة التي تتحكم في العقول “.
ما هي الآمال التي ترنو إليها في العام الجديد 2024؟ وما هي الكلمة التي توجهونها للجالية العربية والإسلامية بهذه المناسبة؟
في ظل الظروف العصيبة التي تمر بها فلسطين الحبيـبة والتي يتألم لها القاصي والداني بل ويتألم لها أحرار الإنسانية، جدير بالأمة العربية والإسلامية أن تتوحد وتقف بحزم مع الشعب الفلسطيني الشقيق وان تستنفذ كل الطرق لنصرة هذه القضية وتجسيد حقوق الفلسطينيين المكفولة لهم دوليا على أرض الواقع، بما في ذلك حقهم في العودة وفي اقامة دولتهم المستقلة وعاصمتها القدس الشريف.
هذا وآمل أن تجد ايضا قضية الصحراء الغربية – آخر مستعمرة وأحد أطول النزاعات في افريقيا- سبيلها نحو تصفية الاستعمار، وأن يـُمكّن الشعب الصحراوي القابع تحت الاحتلال من ممارسة حقه الشرعي وغير قابل للتقادم في تقرير المصير، وفقا للقانون الدولي والقرارات الاممية ذات الصلة.
وكل هذه الآمال تأتي تجسيدا لالتزام الجزائر بالدفاع عن القضايا العادلة وعن حقوق الشعوب المستعمَرة في نيل استقلالها.
كما آمل أن يتحقق السلم والأمن الدوليين وأن تحل النزاعات بالطرق السلمية القائمة على العدالة والمساواة واحترام القانون الدولي دون استثناء ودون افلات من العقاب، وهو السبيل الوحيد لتفادي تفاقم النزاعات الحالية، وتجنب إثارة بؤر التوتر الاخرى التي تتواجد على صفيح ساخن.
د. عبد المنعم قدورة
رئيس التحرير