في كل مرة كان يلتقي فيها المجاهد الجزائري لخضر بورقعه الذي رحل عنّا في الرابع من تشرين الثاني/ نوفمبر قبل عام، بالوزير اللبناني المثقّف ميشال إده الذي رحل في الثالث من تشرين الثاني/ نوفمبر قبل عامين، كنت أشعر أن في العلاقة بين إده الذي تجاوز التسعين من عمره، وبورقعه الذي اقترب منها، ما يذكّرني بالعلاقة بين القائد الجزائري الأمير عبد القادر الجزائري والزعيم اللبناني يوسف كرم، وهي علاقة أفاض في الكتابة عنها الكاتب الصديق سركيس أبو زيد .
كان الوزير إده في أيامه الأخيرة يعتذر عن استقبال العديد من الشخصيات اللبنانية والعربية، ولكن حين كان يسمع باسم لخضر بورقعه وابنه الروحي كريم رزقي كان يُسارع إلى استقبالهما قائلاً: «أنا أحب الجزائر والجزائريّين، بل أنا ممّن يحبون فرنسا، لذلك كنت مع ثورة الجزائر من أجل فرنسا، لأن استقلال الجزائر يحرّر فرنسا من صورة البلد الاستعماري التي لا تليق بثورتها (عام 1789) التي قامت على مبادئ: «حرية، إخاء، مساواة».
في تلك اللقاءات الحميمة كنّا نستذكر كيف أن الحكومة الفرنسية سعت إلى تطويع أكثر من 5000 لبناني مسيحي للذهاب إلى الجزائر للاستعانة بهم كمرتزقة يتكلّمون العربية لمواجهة الثوار الجزائريّين الذين لم يقبلوا يوماً بالاستعمار الفرنسي، لكن جواب الموارنة اللبنانيّين يومها كان كجوابهم يوم عرضت الدول الغربية عليهم إقامة وطن قومي مسيحي سابق لوعدهم بوطن قومي يهودي يفصل مشرق الأمّة عن مغربها، وبالتحديد فصل مصر عن بلاد الشام.
الجواب في الحالتين كان نحن أبناء هذه المنطقة ولسنا مستعدّين أن نكون خنجراً في صدرها… وهو موقف يعبّر عنه اليوم العديد من مسيحيّي لبنان بغضّ النظر عمّا يصدر عن بعضهم من ممارسات وأقوال.
وفي تلك الجلسات التي شارك في إحداها الأمين العام للمؤتمر القومي العربي الأستاذ مجدي المعصراوي، سمعت من الرجلين كلاماً عن الصهيونية يؤكد وحدة العرب في مواجهة الكيان الغاصب، كان إده يفنّد المزاعم الصهيونية بعقل المثقف الموسوعي الكبير، وكان بورقعه يتحدث عن الكفاح ضد الصهيونية بخبرة المقاتل الكبير بوجه الاستعمار الفرنسي لبلاده.
في ذكرى رحيل الكبيرَين إده وبورقعه نؤكّد لهما أن لبنان والجزائر ومعهما كل العرب لن ينسيا رجلَين أعطيا ما أعطياه لشعبهما وأمتهما.