محمود درويش و شاندور بتوفي والعشق الوطني للأرض
يحيي الفلسطينيون، في الثلاثين من آذار من كل عام، في الداخل والشتات- ذكرى يوم الأرض الخالد، والذي تعود أحداثه إلى عام 1976؛ حيث جرت أول مواجهة مباشرة بين المواطنين الفلسطينيين من جهة؛ والمؤسسة الإسرائيلية منذ عام 1948م؛ كانت نتيجتها ارتقاء ستة من الشهداء الفلسطينيين؛ بالإضافة إلى 49 جريحًا ونحو 300 معتقل.
وتعود بداية الأحداث إلى إعلان الحكومة الإسرائيلية برئاسة إسحاق رابين عام 1975عن خطة لتهويد منطقة الجليل؛ بهدف بناء تجمعات سكنية يهودية على أرض تعود ملكيتها للمواطنين العرب الفلسطينيين الذين يمثلون الأغلبية في هذه المنطقة، تحت مسمى (مشروع تطوير الجليل).
وفي هذا السياق صادقت الحكومة الإسرائيلية في 29 شباط 1976 على مصادرة 21 ألف دونم تعود ملكيتها لفلاحين فلسطينين من بلدات سخنين، وعرابة، ودير حنا، وعرب السواعد؛ لتخصيصها لبناء المزيد من المستوطنات؛ علماً بأن السلطات الإسرائيلية قد صادرت خلال الأعوام ما بين 1948 حتى 1972 أكثر من مليون دونم من أراض القرى العربية في الجليل والمثلث؛ إضافة إلى ملايين الدونمات الأخرى التي استولت عليها عام 1948.
الدانوب الأزرق تقف على جوهر وموقع الأرض في اليقين الإنساني مستلهمة نموذجين للشاعر محمود درويش والشاعر المجري شاندور بتوفي. حيث جسد ذكرهما للأرض ضمير جمعي يحمل في تضاعيفه توق الإنسان للعدالة والتحرر والإستقلال الوطني.
كتب الشاعر الفلسطيني محمود درويش:
في شهر آذار، قبل ثلاثين عاما وخمس حروب،
وُلدتُ على كومة من حشيش القبور المضيء.
أبي كان في قبضة الإنجليز. وأمي تربّي جديلتها وامتدادي على العشب. كنت أحبّ “جراح الحبيب” و أجمعها في جيوبي، فتذبلُ عند الظهيرة، مرّ الرصاص على قمري الليلكي فلم ينكسر،
غير أنّ الزمان يمرّ على قمري الليلكي فيسقطُ سهواً…
وفي شهر آذار نمتدّ في الأرض
في شهر آذار تنتشرُ الأرض فينا
مواعيد غامضةً
واحتفالاً بسيطاً
ونكتشف البحر تحت النوافذ
والقمر الليلكي على السرو
في شهر آذار ندخلُ أوّل سجنٍ وندخلُ أوّل حبّ
وتنهمرُ الذكريات على قرية في السياج
وُلدنا هناك ولم نتجاوز ظلال السفرجل
كيف تفرّين من سُبُلي يا ظلال السفرجل؟
في شهر آذار ندخلُ أوّل حبٍّ
وندخلُ أوّل سجنٍ
وتنبلجُ الذكريات عشاءً من اللغة العربية:
قال لي الحبّ يوماً: دخلت إلى الحلم وحدي فضعتُ وضاع بي الحلم. قلت تكاثرْ!
تر النهر يمشي إليك.
وفي شهر آذار تكتشف الأرض أنهارها.
شاندور بتوفي (1823 – 1849م)
ولد (شاندور بتوفي)، أحد أعظم شعراء المجر عام 1823م، نشر أول ديوان شعر بعنوان (قصائد) عام 1846م، وهو في الثالثة والعشرين من عمره. عمل في الصحافة أيضاً، ونشرت أعماله الكاملة لأول مرة عام 1847م. كانت قصيدته (نشيد وطني) واحدة من الشرارات التي فجرت الثورة التحريرية المجرية في 15 آذار (مارس) 1848م، ضد حكم عائلة (هابسبورغ) النمساوية، لكنه استمر في القتال ضمن وحدات الحرس الوطني، وقتل وهو لا يزال في السادسة والعشرين من عمره، في تموز عام 1849م ليجسد شعره تشبث الإنسان بالأرض التي هي الوطن وروح الحياة وجوهرها.
عِنْدَما يَسْقُطُ القَيْد
عِنْدَما يَسْقُطُ القَيْدُمِنْ أرْجُلِ السَّجِين،يَسِيرُ بَعْدَها دَهْراًكأنَّها باقِيَةٌ الأصْفاد،فقدِ اعْتادَالثِّقلَ الحَزِين.أنتَ أيضاً تَعوَّدْتَ– يا قلبي – على الألم.والآنَ..وقد نفضَ عنكَقَدَري الحَسنُ ذاكَ الألم.لا تَستطيعُ الفَرَحَبِصِدْق.***اِفْرَحْ افْرَحْ، يا قلبي!فَمَنْ يَفْرَحُ إنْ لم تَفْرَحْ أنت؟مَنْ يَمْتَلِكُ مِثْلَكمِثْلَ هذهِ السعادة؟مَنْ يَمْتَلِكُ على الأرضمِثْلَ هذهِ الْجَنَّة؟ |