أحيت المجر في 23 أكتوبر ذكرى ثورة 1956 التي سطرها الشعب المجري في تاريخ الشعوب المقاوم للإحتلال والهيمنه مقدماً نموذجاً يحتذى في سياق التاريخ الإنساني لقدرة الشعوب على تحقيق تحررها وتحديد مصيرها والحفاظ على إستقلالها وسيادتها.
إتسمت الإحتفالات بالطابع الرسمي والشعبي، وقد ألقى دولة رئيس وزراء المجر Orbán Viktor كلمة في الإحتفال المركزي الذي إقيم في العاصمه بودابست. أكد فيها أن مصير المجريين سيظل يقرره المجريون. وأن تاريخ 23 أكتوبر سيظل يذكرنا بعدم نسيان مسؤوليتنا الشخصية. مشيراً أن قدرنا جعل مصيرنا هنا في حوض الكاربات أن نكافح من أجل الحرية كل يوم. وأن قوتنا تكمن في الوحدة ، لأننا هنا نؤمن جميعاً بهنغاريا القوية والمستقلة. من يدافع عن عائلته وأمته ضد الهجمات الخارجية إذ لا يمكن أن يعتمد فقط على قلبه وقوة عقله في المواجها ولكن أيضا قناعته أنه على حق. هذه الحقيقة جعلتنا في وسط أوروبا: حقيقة الهنغاريين. هذا ما أردناه آنذاك والآن ، الحقيقة لهنغاريا! “نحن على حق عندما ندافع عن حقيقة آبائنا وأجدادنا”.
لاتزال ثورة 23 أكتوبر المجرية بعد مرور 65 عاماً على اندلاعها تحظى بدراسات وأبحاث وآراء المهتمين بالتاريخ السياسي كونها مثلت حدثاً مفصلياً في تاريخ شعوب أوروبا الشرقية ومسيرة “الحرب الباردة” بين الكتلتين الشرقية والغربية، لأنها أثبتت حينها استعداد الأتحاد السوفيتي لاستخدام القوة العسكرية للحفاظ على الأنظمة الشيوعية لبلدان حلف وارسو. كما دفع تزامن انتفاضة المجر مع أحداث العدوان الثلاثي على مصر إلى ربط المؤرخين ، وتناولهما في سياق أوسع للمواجهة السوفييتية الغربية في تلك الحقبة التاريخية. علماً أن انتفاضة المجر وقعت بعد أشهر معدودة من المؤتمر العشرين للحزب الشيوعي السوفييتي، الأول الذي نظم بعد وفاة جوزيف ستالين عام 1953، وقدم فيه الزعيم السوفييتي الجديد نيكيتا خروتشوف تقريراً ندد فيه بعبادة الفرد ونتائجها وجرائم ستالين وديكتاتوريته، بينما تعالت في المجر الأصوات المطالبة بتغييرات في سياسات الحكومة وتشكيلتها.
في 23 أكتوبر/ تشرين الأول 1956، احتشد حوالى 200 ألف متظاهر أمام مبنى البرلمان المجري وأسقطوا تمثال ستالين. وتشكلت مجموعات مسلحة ضمت حوالي 20 ألف فرد دخلت القوات السوفييتية إلى بودابست فاندلعت مواجهات مسلحة في محيط مبنى البرلمان، إذ كان المتمردون يطالبون بانسحاب القوات السوفييتية وتشكيل حكومة متعددة الأحزاب. وبحلول 30 أكتوبر/ تشرين الأول، جرى سحب القوات السوفييتية إلى مواقع المرابطة الدائمة، مع إعلان الكرملين استعداده لمناقشة وضع القوات السوفييتية التي تتواجد في أراضي الدول الأعضاء في حلف وارسو.
لكن في 31 أكتوبر/ تشرين الأول بعد تفاقم أزمة قناة السويس، اتخذ الحزب الشيوعي السوفييتي قراراً بقمع انتفاضة المجر بقوة السلاح، ما جعل 3 آلاف دبابة سوفييتية إضافية تعبر حدود المجر، بعد حصول موسكو على تأييد حلفائها في أوروبا الشرقية والصين. وفي 4 نوفمبر/ تشرين الثاني، بدأت عملية اجتياح بودابست التي استمرت بضعة أيام وأسفرت عن سقوط آلاف القتلى، وانتهاء انتفاضة المجر.
وإذا كان بعض الدارسين قد ذهبوا إلى أن المواجهة السوفييتية غير المباشرة مع الغرب في التنافس على مناطق النفوذ قد أدت الى التدخل السوفيتي يجمع المؤرخون اليوم على أنه لا يجوز فصلها عن سياق الأزمات الأخرى التي شهدها العالم خلال الفترة ذاتها، وفي مقدمها العدوان الثلاثي الذي شنته بريطانيا وفرنسا وإسرائيل على مصر رداً على قيام الرئيس المصري حينها جمال عبد الناصر بتأميم قناة السويس.
وبعد قمع انتفاضة المجر، قرر خروتشوف تأكيد قوة مواقف بلاده في الشرق الأوسط، ووجه رسالة شديدة اللهجة إلى بريطانيا وفرنسا لمح فيها بقدرة بلاده النووية على تدمير البلدين، ما أدى إلى وقف العدوان على مصر وحفاظها على سيادتها على قناة السويس.
مذكرات طفل عن الثورة
أصدرت دار بدائل للنشر والتوزيع كتاب «جولا تشتش» وعنوانه «ثورة المجر 1956.. يوميات الثورة مذكرات طفل» من ترجمة عبد الله النجار، والكتاب مكتوب بلغة طفل لم يتجاوز الثانية عشرة من عمره، وحتما كانت له مصطلحاته وتعبيراته الخاصة، التي يتناول من خلالها الثورة المجرية من جميع الاتجاهات، ويبدأ الحديث عنها بمنظور عام، أو كما عرفها الناس في العالم، حيث يقال لها الانتفاضة المجرية أحياناً في كثير من البلدان خارج المجر.
يسجل الطفل بقلمه البريء وعينه الطفولية الأحداث الحقيقية لهذه الثورة، نقلاً عما رآه وسمعه من أبويه وجيرانه ومحطات الراديو، ومن حواره مع صديقه وما قرأه على صفحات الجرائد وقتها، ومن هذا كله تشكلت صورة لها خصوصيتها لم يرها أحد من قبل عن هذه الثورة، وظلت هذه اليوميات رهينة الأدراج قرابة خمسين سنة لم تر النور، فقد كتبها صاحبها عام 1956 لكنها لم تنشر ولم تر النور قبل عام 2006.
كانت ثورة معادية للسوفييت في المجر، استمرت خلالها التظاهرات وأعمال العنف وحروب الشوارع من 23 أكتوبر إلى 45 نوفمبر 1956 هيأت التغيرات السياسية بعد الستالينية في الاتحاد السوفييتي والحركات القومية للأحزاب الاشتراكية، في أوروبا الشرقية، والاضطراب الاجتماعي بسبب الأحوال الاقتصادية السيئة لعامة المجريين، وبالطبع من قبلهم البولنديون، الظروف لظهور ثورة أو انتفاضة شعبية كبرى في عام 1956.
هنا يشير الكتاب إلى أن أحداث بولندا وانتفاضة شعبها ضد السوفييت كان لهما أثر كبير وفعال في نفس المجريين الذين تشجعوا على القيام بهذه الثورة، فضلاً عن أن العلاقات الوطيدة والتاريخ والمصير شبه المشترك بين بولندا والمجر قد جعل اندلاع ثورة مجرية في تلك الآونة أمراً طبيعياً وامتداداً لمجريات الأحداث في أوروبا الشرقية.
يشير الكتاب إلى أنه من المميزات الكبيرة لهذه الثورة ظهور قيادات شعبية من الشباب، دفعت بهم الثورة إلى مقدمة الصفوف، وكان الوعي السياسي لدى الناس يتطور بشكل لافت يوماً بعد يوم، وعلى الصعيد السياسي العالمي سببت أحداث الثورة انفجاراً مدوياً داخل الأحزاب الشيوعية خاصة في غرب أوروبا وأمريكا الشمالية.