يمكن اعتبار القمة الثامنة للمجلس التركي، التي تم تنظيمها في إسطنبول بتاريخ 12 نوفمبر/ تشرين الثاني الجاري، خطوة مهمة نحو إضفاء الطابع المؤسسي على التعاون بين الدول التركية.
-الموقع الجيوسياسي للمجر داخل الاتحاد الأوروبي يجعلها شريكًا مهمًا لمنظمة الدول التركية ويمكّنها من أن تشكل جسرا بين الغرب والشرق.
-قد يؤدي تبادل المعرفة المتوفرة في المجر، بدءًا من إدارة المياه ومروراً بمجال الزراعة والمستحضرات الصيدلانية، إلى تعزيز التنمية الاقتصادية لأعضاء منظمة الدول التركية وتكاملها الاقتصادي.
يمكن اعتبار القمة الثامنة للمجلس التركي، التي تم تنظيمها في إسطنبول بتاريخ 12 نوفمبر/ تشرين الثاني الجاري، خطوة مهمة نحو إضفاء الطابع المؤسسي على التعاون بين الدول التركية.
ومع هذا الاجتماع، تم تغيير اسم المجلس إلى منظمة الدول التركية (OTS)، وانضمت تركمانستان إلى المنظمة كعضو مراقب مع الحفاظ على حيادها المعلن.
وبهذا التوسع أصبحت منظمة الدول التركية تضم الآن خمسة أعضاء؛ أذربيجان وتركيا وكازاخستان وقيرغيزستان وأوزبكستان وعضوان مراقبان هما؛ المجر وتركمانستان.
كان إنشاء “صندوق الاستثمار التركي” وقبول “رؤية العالم التركي 2040” تطورين بارزين خلال القمة.
كما حصل الرئيس الأذربيجاني إلهام علييف على “الوسام الأعلى للعالم التركي” تقديراً لتحرير أراضي بلاده بعد الحرب التي استمرت 44 يومًا (مع أرمينيا) عام 2020، كما تم تسليم رئاسة المنظمة من أذربيجان إلى تركيا لقيادة المنظمة خلال الفترة القادمة.
علاقات المجر مع الدول التركية
قبيل القمة، أشاد وزير الخارجية المجري بيتر سزيجارتو، بمساعي بلاده لتعزيز التعاون البيني مع الدول التركية من خلال تعزيز فرص الاستثمار والتجارة بين الدول الأعضاء.
كما أشاد بجهود المجر في تقديم عدد كبير من المنح الدراسية للطلاب من الدول التركية، حيث تبلغ حصتها 870 منحة في الوقت الحالي، ولكن من المتوقع أن ترتفع في المستقبل.
كما تتجاوز علاقات المجر مع هذه البلدان العلاقات الاقتصادية، فلها علاقاتها الخاصة مع منظمة الدول التركية والتي تعتمد على عدة ركائز كالتاريخ المشترك والثقافة وكذلك الاعتبارات الجيوسياسية.
تلعب الروابط التاريخية والثقافية دائمًا دورًا مهمًا في العلاقات بين الدول، فامتلاك القبائل الهنغارية، التي احتلت حوض الكاريبي بأكمله في أوائل القرن العاشر، ثقافة السهول وتطبيق التكتيكات العسكرية ساعدهم على هزيمة مختلف الجيوش الألمانية والسلافية والبيزنطية، لذلك ليس من المستغرب أن يطلق عليهم جميعًا لفظ “الترك” في السجلات المعاصرة.
في وقت لاحق، كانت السهول المجرية بمثابة مأوى لمختلف القبائل التركية، مثل مجموعات كبيرة من “الكومان” أو “كونوك”.
ورغم أن أواخر العصور الوسطى وأوائل العصور الحديثة جلبت إمبراطوريتين ضد بعضهما البعض، إلا أن نهاية الحكم العثماني في المناطق الوسطى والجنوبية من البلاد حولت العلاقات على الفور.
بعد عدة قرون، استضافت الإمبراطورية العديد من الشخصيات المجرية كلاجئين بعد حروب الاستقلال الفاشلة ضد حكم هابسبورغ، وأصبحت مساكنهم الآن رمزًا للتعاون المتبادل، وعلى سبيل المثال منزل “فيرينك راكوتشي” (زعيم الانتفاضة المجرية ضد هابسبورغ) في مدينة تيكيرداغ (غربي تركيا) الذي يعد الأكثر شهرة بينهم.
وفي أواخر القرن التاسع عشر، وتماشيًا مع رحلات الرحالة “أرمينيوس فامبيري” في الإمبراطورية العثمانية وآسيا الوسطى، كانت المجر في الواقع هي المكان الذي ظهرت منه فكرة الطورانية (حركة ثقافية وسياسية قومية تدعو للتعاون بين الشعوب من عمق ووسط آسيا) والتي حصلت على دفعة مؤسسية هائلة من خلال إنشاء “جمعية طوران” عام 1910.
كانت العلاقات بين الإمبراطورية العثمانية، وفيما بعد، بين تركيا والمجر وثيقة خلال الحرب العالمية الأولى وفترة ما بين الحربين. ومع ذلك، فقد تغيرت بعد اندماج المجر في الكتلة السوفيتية بعد عام 1945.
انضمام المجر إلى المجلس التركي
استؤنفت العلاقات الودية مع تركيا بعد تغيير النظام المجري والانتقال إلى الديمقراطية. ومع ذلك، فقد تحسنت العلاقات بشكل ملحوظ بعد عام 2013، عندما زار الرئيس رجب طيب أردوغان “بودابست” وعقد اجتماعًا مع رئيس الوزراء فيكتور أوربان.
في ذلك الوقت، كان الوضع الجيوسياسي مختلفًا بالفعل مقارنةً بالتسعينيات أو أوائل القرن الحادي والعشرين.
أصبحت المجر عضوًا في الناتو (1999) والاتحاد الأوروبي (2004)، لكنها كانت لا تزال تعاني من تداعيات الأزمة المالية العالمية (2008-2009)، بينما كانت تركيا تشهد نموًا اقتصاديًا غير مسبوق في نفس تلك الفترة، ولكنها وكدولة مرشحة لعضوية الاتحاد الأوروبي، كانت تواجه اضطرابات كبيرة في جوارها.
وهكذا، التزم الزعيمان بتعزيز العلاقات بين البلدين، ليس فقط من خلال زيادة التجارة الثنائية والاستثمار، ولكن أيضًا من خلال تعزيز العلاقات الثقافية القائمة.
أعطى هذا المنعطف دفعة جديدة لطموحات السياسة الخارجية المجرية لإقامة علاقات أوثق مع الدول التركية، وقررت المجر تعزيز العلاقات الثنائية من خلال فتح سفارات في آسيا الوسطى، والأهم من ذلك، أصبحت الاجتماعات رفيعة المستوى تجري بشكل منتظم بين تركيا والمجر.
وصل إضفاء الطابع المؤسسي على العلاقات إلى ذروته مع انضمام المجر إلى المجلس التركي كعضو مراقب عام 2018 في قمة “شولبون آتا” في كيرغيزستان.
بعد عام تقريبًا، وفي سبتمبر/أيلول 2019، تم افتتاح مكتب التمثيل الأوروبي للمجلس التركي بمشاركة وزراء خارجية الدول الأعضاء، وكان افتتاح المكتب رسالة قوية وجهتها المجر لتمثيل اهتمام المجتمع بأوروبا وإثبات التزامها نحو مزيد من التطوير المؤسسي.
بعد ذلك تعهدت الحكومة المجرية بفتح سفارات في كل دولة من الدول الأعضاء وإقامة شراكة استراتيجية على المستوى الثنائي، حيث تم تحقيق هذا الهدف مؤخرًا.
ولم يكن مستغرباً أن ترحب المجر بانضمام أوزبكستان إلى منظمة الدول التركية في عام 2019، وسعت إلى اغتنام الفرصة للاستفادة من الانفتاح الدبلوماسي والاقتصادي لأوزبكستان، وبالتالي في أواخر مارس 2021، وقع الرئيس الأوزبكي “شوكت ميرزيوييف” ورئيس الوزراء المجري “فيكتور أوربان” إعلانًا مشتركًا بشأن الشراكة الاستراتيجية بين البلدين.
كما أعربت المجر عن دعمها لوحدة أراضي أذربيجان خلال حرب “كاراباخ” الثانية وأبدت استعدادها للمشاركة في إعادة الإعمار.
مساهمات المجر المحتملة
وحتى كعضو مراقب، يمكن للمجر أن تساهم في تطوير المنظمة في مختلف المجالات، والأهم من ذلك، أن الموقع الجغرافي السياسي للمجر داخل الاتحاد الأوروبي يجعلها شريكًا مهمًا لمنظمة الدول التركية، وبفضل هذا، يمكن أن تصبح المجر جسرا ذات قيمة عالية بين الغرب والشرق.
بالإضافة إلى ذلك، وكما ذكر وزير الخارجية المجري في العديد من الاجتماعات، فإن تعزيز التعاون الاقتصادي هو المفتاح لمزيد من التقدم الذي ستدعمه بودابست.
ولهذا السبب كان إنشاء صندوق الاستثمار التركي موضع ترحيب كبير. وتماشياً مع ذلك، قد يؤدي تبادل المعرفة المتوفرة في المجر، بدءًا من إدارة المياه ومروراً بمجال الزراعة والمستحضرات الصيدلانية، إلى تعزيز التنمية الاقتصادية للدول الأعضاء وتكاملها الاقتصادي.