تعد الدراسات الاستشراقية مصدراً للعديد من الاكاديميين والدبلوماسيين المهتمين بمنطقة الشرق الأوسط.
ذكر إدوارد سعيد في كتاب الاستشراق عدة تعريفات للاستشراق منها أنه: ” أسلوب في التفكير مبني على تميّز متعلق بوجود المعرفة بين “الشرق وبين الغرب”. ويضيف سعيد بأن الاستشراق ليس مجرد موضوع سياسي أو حقل بحثي ينعكس سلباً باختلاف الثقافات والدراسـات أو المؤسسات وليس تكديساً لمجموعة كبيرة من النصوص حول المشرق… إنه بالتالي توزيع للوعي الجغرافي إلى نصوص جمالية وعلمية واقتصادية واجتماعية وفي فقه اللغة. وفي موضع آخر يعرف سعيد الاستشراق بأنه المجال المعرفي أو العلم الذي يُتوصل به إلى الشرق بصورة منظمّة كموضوع للتعلم والاكتشاف والتطبيق. ويقول في موضع آخر إنّ الاستشراق: نوع من الإسقاط الغربي على الشرق وإرادة حكم الغرب للشرق”.
حقا قد تحولت صورة المستشرق بسبب كتاب “الأستشراق” من باحث أكاديمي صارم نذر عمره وأفنى زهرة شبابه في فك شفرة لغة شرقية منقرضة أو الكشف عن آثار حضارة مندثرة أو تحقيق مخطوطة أو مخطوطات نادرة، أو دراسة فترة تاريخية لا يعلم عنها الكثير، إلى صورة مرتزق يعمل بأمرة الإدارات الإستعمارية لا هدف له سوى تشويه صورة الشرقي والحط من شأن تراثه ودينه. ورسخ الكتاب بذلك “نظرية المؤامرة” التي هي أصلا معشعشة في أذهان الكثيرين.
صحيح هنالك قلة قليلة من المستشرقين كانت لهم نوازع عنصرية استعلائية مثل المستشرق الفرنسي ارنست رينان أحد أنصار نظرية تفوق الجنس الآري، ولكن هذا ليس مبررا لإدانة كل المستشرقين. كما أنه ليس كل من كتب عن الشرق مستشرق، فهنالك هواة وشذاذ آفاق وصحفيين ورحالة وفنانين لا علاقة لهم بالإستشراق هؤلاء لا شك أن بعضهم أساء لصورة الشرقي ولا شك أن بعضهم كانت تحركه دوافع لا علاقة لها بالكتابة العلمية. ولكن سعيد لم يميز في كتابه بين هؤلاء وبين الإستشراق كحقل أكاديمي صارم. كما أنه ساوى بين الإستشراق وبين السياسيين الإستعماريين أمثال بلفور واللورد كرومر وغيرهم.
ومهما يكن من أمر، فإن هذه الصورة السالبة التي قدمها كتاب إداورد سعيد عن المستشرقين، ليست جديدة في العالم العربي. فقد ارتبط الاستشراق في اذهان الكثيرين، منذ انفتاح الشرق العربي الاسلامي على أوربا، بالاستعمار وبالتبعية الثقافية والحضارية للغرب.
وفي هنغاريا أتسم التوجه نحو الدراسات الشرقية بالبعد العلمي وشغف الوقوف على ثقافات مغايرة وفي هذا الإطار ثمة دراسات للمستشرق الهنغاري ماروت ميكلوش المشرف على معهد ابن سينا وقفنا على بعض من شذراتها إذ يرى المستشرق مكلوش أنه عند زيارة المتاحف الهنغارية، يقتنع المرء أن اللغة العربية حاضرة في هنغاريا فمنذ قرون كان هناك مجالين رئيسيين حيث لعبت اللغة العربية دوراً هاماً في المعلومات.
المجال الأول علم اللاهوت المسيحي: فلا يستطيع أحد يدرس اللاهوت إنكار حقيقة أن العهد القديم كتب باللغة العبرية، إحدى اللغات السامية ففي كليات اللاهوت يعود الإهتمام بدراسة اللغة العربية كونها إحدى اللغات السامية و في الوقت نفسه تضمن الإنجيل المكتوب بلغات عديدة نصا بالعربية إلى جانب نسخا ً باليونانية واللاتينية والعبرية والآرامية والسيريانية.
فكانت المعرفة المتزايدة للإنجيل هي التي شجعت بعض علماء اللاهوت لدراسة اللغة العربية.
تعد الأناجيل المكتوبة بعدد اللغات و الموجودة في مكاتب الأديرة شاهدا ً على معرفة الرهبان الكاثوليك باللغة العربية. عدد قليل من علماء اللاهوت الهنغاري أمثال ج. ديرتسيك درسو اللغة العربية و لم ينجحو في نقل روح القواعد إلى اللاتينية مما يشير إلى الإهتمام العلمي بالعربية كان أقل بكثير من الإهتمام باللغات الآرامية أو السيريانية.
درس عدد كبير من الرهبان الذين يعرفون اللغة العربية في الأديرة الهنغارية، و لكن عدد كبير منهم قضو وقتا ً في روما يحضرون للعمل في الدول الإسلامية.
أما المجال الثاني فكان الشؤون الخارجية: فخلال و بعد الحروب التركية أصبح لهنغاريا حدوداً مشتركة مع العالم الإسلامي و بالتالي أصبح لهنغاريا كدولة و كجزء من ملكية هابسبرغ اتصالات دبلوماسية و تجارية مع الدول الشرقية.
إثر إعادة إصلاح الجامعات النمساوية الهنغارية عام 1855 م، في هذا العام تحولت الجامعات الهنغارية النمساوية من نماذج القرون الوسطى المهترية إلى النموذج الالماني الحديث للتعليم العالي فحسب. ففي نموذج القرون الوسطى كان الجميع يبدأ تعليمه بالمحاضرات التحضيرية في كلية الآداب و بعد أن يتم ذلك بنجاح ينتقل لدراسة إما القانون أو الطب أو العلوم بشكل عام.
تم إنشاء قسم اللغات السامية عام 1870 مما أعطى الإمكانية لأول مرة إتمام الأبحاث العلمية في مجال الدراسات العربية في هنغاريا إلا أن القسم كان في عهدة بروفسور في اللاهوت من الطراز القديم و لايصلح لتعليم اللغة العربية. استمر في التعليم حسب تقاليد علماء اللاهوت الكاثوليك حيث حول القواعد العربية إلى الهنغارية و حاضر بالعربية لكنه بقي كما هو عالم في العهد القديم العبراني و العهد الجديد اليوناني.
بدأ إغناتوس قولزايهر مهنته كبروفسور لا يتقاضى أجرا ً و كان قد تقدم بالسن وبدأ يحاضر حول تاريخ الفلسفة الإسلامية أيضا ً كما يظهر في الكتب السنوية للجامعة. كان يحضر عادة خمسة أو ستة طلاب الدروس التي يلقيها غولدزيهر و إذا علمنا أن طلاب قسم الفلسفة كان أصلا ً قليلا ً في ذلك الوقت دل هذا الرقم على شعبية المحاضرات التي كان غولدزيهر يلقيها.
ليس لدينا معلومات حول عدد طلاب / غولدزيهر / ولكن نعلم أن عدد كبير من طلابة كان من البلقان أيضا.
طلبة من المجتمعات المسلمة التي تقطن الدولة النمساوية – الهنغارية وغيرها من الدول لم يكن زملاؤة من البروفسورات في جميع انحاء العالم وحدهم المعجبين ب / غولدزيهر / وإنما جميع طلابه من المسلمين أعجبوا به أيضا.
هذه الحقيقة تسلط الضوء على مقولة ادوارد سعيد الذي يؤكد فيها أن الهدف من الدراسات الشرقية في الدول الأوربية كان لخدمة الإمبريالية ضد شعوب الشرق الأوسط.
في عام 1911 قدم أحمد فؤاد أحد أفراد العائلة المالكة في مصر الى بودابست من أجل منحة منصب الأستاذية في الفلسفة العربية في جامعة القاهرة, رغم أن السلطات النمساوية – الهنغارية رأت من المهم قبول هذه الدعوة إلا أن / غولدزيهر / اعترض, فقد كان فكرة علمي خالص وغير سياسي وقد تأثر الاستشراق الهنغاري بهذا التوجه منذ ذلك الحين فلم يكن الاهتمام بالشرق نابعاً من أي مصلحة سياسية في هنغاريا لأن الهنغاريين لم يفكروا يوما بغزو الشرق والعكس صحيح.
توفي / غولدزيهر / دون أن يترك طلابا بمستواه العلمي, وتم بيع مكتبته إلى القدس. كان أول عالم يخرج عن التدريب المعتاد بين علماء اللاهوت حيث أعتمد على التقاليد المتبعة في البعثات التبشيرية والمدارس الدبلوماسية في روما وفينا والتحق بالتقاليد الفيلولوجي (فقه اللغة) المتبع في أوربا وخاصة ألمانيا ولم يتم أحد في جامعة بودابست أعماله.
وتماشيا مع التقاليد كان البرفسور الأخر الذي خلفه هو القس الكاثوليكي. كموسكو (1879) المتخصص باللغات السامية والذي أتقن الفلسفة بشكل جيد فقد وهب حياته إلى آباء الكنيسة الشرقية للكتابة بالسيريانية وألف عدد من المجلدات الموجوده في .(Mignes Patrologia Orientails)
وكعالم باللغة العربية, بحث في التاريخ السرياني والعربي ذات العلاقة بما قبل التاريخ البدوي للشعب الهنغاري, ومن هنا انتقل الى الجغرافية العربية (هو الذي أشار إلى أن العالم الجغرافي العربي ابن دستا هو ذاته العالم المعروف ابن رستا).
إلا أن كتاباته حول علماء الجغرافيا العرب كتبها بالهنغارية ولم يتم تأليفها.
في هنغاريا كان الاهتمام بالكتابات الشرقية يعود الى اهتمام المجتمع بما قبل التاريخ الشعب الهنغاري و أصله, فقد أوكل إلى العلماء البحث في تاريخ آسيا الوسطى وشرق أوربا لقد قام /م. كموسكو / بواجبه كبروفسور باللغة العربية ولكن نظرا إلى موته المبكر وماذكرناه سابقا سيبقى اسمه غير معروف في الخارج.
قبل اندلاع الحرب العالمية الثانية أطلق وزير التربية /ك. كليبلسبرغ / برنامجا يشبه البرنامج الذي أطلقة /ج. يوتوفوس/ قبل قرن بعد إعادة بناء الجامعة عام 1855 حيث قرر هو أيضا إرسال عدد من الطلاب الموهوبين إلى أفضل الجامعات في أوربا الغربية تم إرسال اللاهوت من الكنسية الإصلاحية إلى هولندا من بينهم / Czeglédy Károly, / ابن العالم الشهير / س. سزيجلدي/ الذي أعد الترجمة الجديدة للعهد القديم.
ذهب /ك. سزيجلدي/ إلى /اتريشت/ حيث درس العربية على يد العالم الشهير /دي جوجيه/ وإثر عودته إلى هنغاريا وبعد الحرب العالمية الثانية عين أستاذاً للغة العربية حيث كان المكان الشاغر كان البروفسور الوحيد للغة العربية لعقود في النصف الثاني من القرن العشرين, وأستاذا لجميع دارسين اللغة العربية والذين يعتبرون نفسهم خلفاء للمدرسة الألمانية للدراسات الشرقية.
أكمل /ك. سزيجلدي / (1996 – 1914) ما بدأه /م. كموسكو/ حيث كرس حياته للبحث في التاريخ الأصلي للبلد. بدأ بدراسة اللاتينية واليونانية والسيريانية والعربية وفي عقده الثالث درس الأرمنية والفارسية الوسطى والجديدة. وفي عقدة الرابع درس اللغات التركية وفي عقده الخامس الصينية. وفي بداية عقده السادس أصبح جاهزاً لتأليف أول كتاب له بالهنغارية تحت عنوان [هجرة البدو من الشرق إلى الغرب, بودابست 1969]. في هذا الكتاب الأسئلة الصعبة حوال تاريخ أهل السهول.
كل هذا يشير الى أنه رغم كونه أستاذاً للغة العربية لم يتعاطى فعلياً مع المسائل العربية فقد كان مستشرقاً اكثر من كونه عالما للعربية والنتيجة أنه بقي هو أيضا غير معروف في الخارج.
ومع ذلك وكبروفسور للغة العربية نقل كل ما تعمله في شبابة في هولندا الى الأجيال القادمة وبالتالي كانت نشاطانة نقطة تحول في تاريخ الدراسات العربية في هنغاريا قبلة, ادخل /غولدزيهر/ بدايات للتخصص باللغة العربية في هنغاريا ومن ثم وضع /كمسوسكو/ دون أن يترك أي وريث فقام كزيجلدي/ الدارس في ألمانيا بإعادة بناء التخصص باللغة العربية في هنغاريا ونجح هذه المرة في إنشاء مدرسة كبيرة تضم عددا كبيرة من الطلآب.
ظهر الجيل الجديد في الجامعة في نهاية الستينات. تم تعيين /فودور شاندور/ استاذا مساعدا في قسم اللغة العربية وكان اهتمامة الرئيسي التقاليد الشعبية والسحر وما شابة ذلك. يبحث في معتقدات وتقاليد العامة في الدول الإسلامية خاصة في مصر أشار إلى وجود المعتقدات المصرية القديمة في الحياة اليومية للمسلمين بحيث أصبحت جزءا من الميراث الإسلامي المساعد الذي تلاه, كان /ت. أيفانيي/ هو الذي درس العربية واللسانيات العامة في الجامعة بحيث أصبح مختصا في اللسانيات العربية.
في السبعينات انضم اليه /أي. اورموس/ وكان اختصاصة في مجال الطب العربي وبعد استقالة /ك. سزيجلدي/ أصبح /أ.فودور/ برفسور باللغة العربية.
كان هناك دائما قسم لدراسات فقة اللغة في جامعة بودابست في النصف الأول من القرن العشرين “الأكاديمية الشرقية للتجارة” ومن ثم وريثتها ”كلية كارل ماركس للاقتصاد في جامعة بودابست“ كانت من بين الأقسام التي تعطي معلومات حول اللغات الشرقية. كانت اللغة العربية ومازالت واحدة من اللغات الشرقية التي يتم تعليمها لأسباب عملية.
يوجد قسم للعلاقات الدولية في تلك الكلية و أيضا يستطيع طلاب هذا القسم الذين يدمجون العربية مع اختصاص في الشرق الأوسط أن يصبحوا خبراء في العالم العربي مع تمكنهم من إتقان اللغة.